ما هو تعويم العملة
سعر الصرف العائم أو كما يطلق عليه تعويم العملة هو التخلي عن سعر صرف عملة ما من خلال معادلتها مع عملات أخرى ليصير محررا تماما، دون تدخل الحكومة أو البنك المركزي في تحديده مباشرة.
بحيث أنه ينشأ تلقائيا بناءا على آلية العرض والطلب في سوق والذي يتم من خلاله تحديد سعر صرف العملة المحلية في مقابل العملات الأجنبية.
وتظل أسعار صرف العملة العائمة تتغير باستمرار وفق تغيرات العرض والطلب على العملات الأجنبية بالشكل الذي قد يجعلها تتغير عدة مرات على مدار اليوم الواحد.
ويعني التعويم بمعناه البسيط، عدم تحديد سعر عملة دولة معينة وتركه يتحرك ويتغير أمام العملات الرئيسية وفقا لنسبة العرض والطلب. بحيث يؤدي ازدياد الطلب على العملة إلى ارتفاع سعرها والعكس صحيح.
ومن هنا فإن البنوك المركزية لا تستهدف سعر معين لعملاتها المحلية عند اتباعها لنهج التعويم المطلق، بل إن سعر العملة هنا يكون شبيها بسعر الذهب والمعادن الأخرى الذي يخضع إلى التغيير اليومي في الأسواق العالمية، حتى أنه قد يتغير من ساعة لأخرى.
صارت كلمة التعويم شاملة لرجل الشارع العادي دون التقيد بالمصارف المركزية والعاملين بإدارة السياسة النقدية وخبراء المال والاقتصاد والبنوك، وتحديدا في المناطق التي تعاني من بلبلة اقتصادية كما هو الحال في الجزائر ومصر، أو بلبلة سياسية وأمنية مثلما يحدث في اليمن وسوريا وليبيا.
فقد أشيع عن البنوك المركزية في مثل هذه الدول أنها تشرع في تطبيق نهج تعويم العملة بعد عجزها عن إيقاف التدهور المستمر بعملاتها أمام .
أنواع تعويم العملة:
هناك شكلين من أشكال تعويم العملة:- التعويم الخالص: أو كما يطلق عليه التعويم الحر، وهو الحرية التامة لتغيير وتحديد سعر الصرف مع مرور الوقت وفق آلية العرض والطلب وقوى السوق دون تدخل الدولة في شيء سوى أن تتدخل السلطات النقدية للتأثير على سرعة تغير سعر الصرف فقط دون أن تتدخل في الحد من ذلك التغيير.
ويتم اتباع ذلك النهج الحر لتعويم العملة في بعض البلدان المتقدمة ذات النظام الرأسمالي الصناعي، مثل ، الفرنك السويسري والدولار الأمريكي. - التعويم الموجَّه: أو كما يطلق عليه التعويم المُدار، وهو حرية تحديد سعر الصرف وفق آلية العرض والطلب وقوى السوق.وتتدخل الدولة في هذا النوع من أنواع التعويم عبر مصرفها المركزي عند الحاجة إلى توجيه سعر الصرف في اتجاهات محددة مقابل باقي العملات.بحيث يتم هذا الأمر كاستجابة لبعض المؤشرات التي تشمل معدل الفجوة بين العرض والطلب في سوق صرف العملات، التطورات التي تطرأ على أسواق سعر الصرف المماثلة والمستويات الآجلة والفورية لأسعار صرف العملات.
ويتم اتباع هذا النهج الموجَّه لتعويم العملة في بعض البلدان ذات النظام الرأسمالي إلى جانب بعض البلدان النامية التي يرتبط سعر صرف عملتها بالجنيه الإسترليني، الفرنك الفرنسي (سابقا) أو الدولار الأمريكي أو حتى بسلة من العملات.
كيف ظهرت فكرة تعويم العملة ؟
أدت التطورات الاقتصادية والسياسية في أوائل فترة الستينيات من القرن الماضي إلى بيان ما آل إليه نظام النقد الدولي المبني على اتفاقية بريتون وودز التي تعتمد نظام ثبات أسعار الصرف التي تستند على الدولار الأمريكي الذي يتسم بقابليته للتحويل إلى ذهب دون حدوث تغيير للسعر.
إذ أنه لم يعد يتمكن من ضبط التغيرات الكبيرة المستمرة في أسعار صرف العملات في الدول المشاركة في الاتفاقية.
لذلك، وبعد انهيار هذه الاتفاقية، بدأ التفكير في تعويم العملة حيث أدت اتفاقية سيمشونيان التي أبرمت عام 1971 إلى تعزيز ذلك الأمر.
فزاد سعر أوقية الذهب حتى وصل إلى 38 دولار.
بالإضافة إلى ما نصت عليه الاتفاقية أيضا من إتاحة الفرصة لتغيير أسعار العملات، على ألا يتعدى ذلك 2.25% من قيمتها.
غير أن هذه الاتفاقية لم يقدر لها الاستمرار لفترة طويلة وتعرضت لانتكاسة شديدة، مما أدى إلى اتجاه المسؤولين الاقتصاديين إلى تعويم العملة.
شهدت سياسة التعويم عدة تطورات إلى أن صارت تمثل أهم الأدوات التي تلجأ إليها السلطات النقدية لكي تتمكن من تحقيق أهدافها الاقتصادية.
ويتم تطبيق سياسة تعويم العملة من خلال تنفيذ بعض الإجراءات التدخلية، ومن أهمها:
- يؤثر التعويم على سوق العملات النقدية عن طريق:
- – تأثيره على كل من حركتي العرض والطلب، الأمر الذي يتم من خلال بيع أو شراء العملة المحلية.
- – تأثيره على سعر الفائدة، بحيث يتم ذلك الأمر من خلال رفع أو خفض سعر الخصم.
- تأثير التعويم على حجم التجارة الخارجية: وذلك من خلال تحديد الواردات من الناحية الكمية، أو تعزيز الصادرات.
أسباب تعويم العملة:
- اختلاف معدلات النمو الاقتصادي بين أهم الدول الصناعية المتقدمة وذلك من خلال ظهور قوى اقتصادية كبرى مثل أوروبا الغربية واليابان والتي صارت تنافس الولايات المتحدة الأمريكية.
- تأثير تباين مستويات التضخم بين الدول الصناعية على أسعار الفائدة، إلى جانب تأثيرها على تغيرات أسعار صرف العملات أيضا.
- تأثير ارتفاع معدل الإنفاق الأمريكي بما يشمل الإنفاق على الاستثمار الخارجي وتمويل الإنفاق على حرب فيتنام الذي أدى إلى تفاقم العجز في ميزان المدفوعات الأمريكي.
- ازدياد معدل التنافس وتعارض المصالح الذي جرى بين الدول الصناعية المتقدمة.
- الانهيار الذي لحق بنظام بريتون وودز والذي يرجع إلى افتقار الاقتصاد الدولي إلى السيولة العالمية التي يتيحها تدفق الدولارات الأمريكية إلى الخارج نتيجة عجز الميزان التجاري.
- تمويل حركات المضاربة الضارية، خاصة عند تمويل سوق الدولارات الأوروبية لحركات المضاربة الضارية التي شهدها الفرنك الفرنسي والجنيه الإسترليني والليرة الإيطالية والمارك الألماني في أواخر فترة الستينات، تأثرا باتساع مجال حركة رؤوس الأموال المستخدمة في المضاربة الشديدة.
وتعد الولايات المتحدة الأمريكية هي أبرز الدول التي اتبعت نهج التعويم على مستوى العالم لكي تتمكن من الحفاظ على مستواها التنافسي ودعم توجهاتها الاقتصادية والسياسية.
وقد صدقت اتفاقية صندوق النقد الدولي في شهر مايو من عام 1976 على أن تعويم العملات يمثل مبادرة نحو إصلاح نظام النقد الدولي، وذلك في محاولة منها لمسايرة مثل هذه التطورات الجديدة على المستوى الاقتصادي والسياسي.
علاقة تعويم العملة بالفوركس
ظهرت فكرة الاستثمار في العملات بالتزامن مع بداية ظهور مبدأ التعويم بهدف الاستفادة من فروق أسعار العملات.
حيث بدأ الاستثمار الفعلي في العملات منذ فترة الثمانينيات من القرن الماضي والذي كان مقتصرا على رجال الأعمال والبنوك المركزية فقط.
آلية الإنتربنك:
هي آلية يتم استخدامها لتحديد سعر صرف العملة، والتي يتم من خلالها إلزام البنوك بضرورة إعلان أسعار شراء وبيع العملات بالتبادل وبصورة مباشرة.
ولا يتوفر لأي بنك إمكانية رفض ذلك الأمر طالما أنه خاضع لهذه الاتفاقية.
وتتميز هذه الاتفاقية بالوضوح والتمكن من السيطرة على سعر الصرف تبعا لنسبة العرض والطلب، مع عدم التأثر بشركات الصرافة أو السوق السوداء.
إلى جانب منع هذه الآلية لممارسة المضاربة في سعر العملة بهدف الربح، حيث يقتصر أمر تحديد السعر على قوة العرض وقوة الطلب دون وجود أي زيادة مستمرة أو انخفاض مستمر.
آثار تعويم العملة على اقتصاد الدول
يؤثر تعويم العملة على قيمة النقد المحلي سواء بالارتفاع أو الانخفاض، بما يؤثر على الأسعار، التجارة الخارجية والنمو الاقتصادي بوجه عام.
حيث تختلف هذه الآثار باختلاف وضع البلد الذي يستخدم نظام تعويم العملة.
فتأثيره على البلدان الصناعية المتقدمة يختلف عنه في البلدان النامية.
في حالة تعويم العملة باتجاه ارتفاع سعر صرفها:
إذا ما تسبب تعويم أحد العملات في ارتفاع سعر صرف هذه العملة مقابل باقي العملات، بمعنى ارتفاع سعر تعادلها مع العملات الأجنبية، كان لهذا الأمر تأثيرا سلبيا على حركة الصادرات، وذلك نظرا لارتفاع أسعار بالنسبة للمستوردين الأجانب، مما يؤدي بدوره إلى انخفاض الطلب عليها.
وينتج عن ذلك زيادة في الواردات نتيجة لانخفاض أسعار السلع بالنسبة للمستوردين المحليين، وبالتالي يحدث عجز بالميزان التجاري.
والذي قد يؤدي إلى تحفيز رؤوس الأموال المحلية على الإتجاه للاستثمار الخارجي نظرا لتوفر فرصة استبدال وحدة العملة المحلية بعدد أكبر من وحدات العملة الأجنبية، الأمر الذي يكون له أثرا سلبيا على مدفوعات الدولة.
وتتأثر الصناعة المحلية أيضا نتيجة دخولها مجال تنافسي مع الواردات والتي تزداد مع الانخفاض النسبي للسلع الأجنبية بالنسبة للمستوردين المحليين، الأمر الذي يعمل بدوره على إحداث تباطؤ في النمو الاقتصادي وتراجع عملية الإنتاج.
ويؤدي تراجع العملية الإنتاجية إلى زيادة البطالة، مما يُخِلّ بالميزان التجاري.
في حالة تعويم العملة في اتجاه انخفاض سعر صرفها:
يؤدي تعويم العملة باتجاه انخفاض سعر صرفها، أو ما يطلق عليه انخفاض سعر معادلتها مع ، إلى حدوث عكس ما ذُكر من الآثار الاقتصادية المترتبة على رفع سعر العملة.
إلا أنها تختلف في الدول الصناعية المتقدمة عنها في الدول النامية، ويرجع ذلك إلى مجموعة من الأسباب.
من أهمها:
يتسم الطلب الدولي على صادرات البلدان النامية بالمرونة العالية في غالب الأمر.
في حين تكون العملية الإنتاجية لديها ضعيفة نسبيا بما يعيقها عن الوفاء بالطلب الخارجي، هذا إن وُجد بالأساس.
وبالتالي فإنها تلجأ إلى إتمام أغلب صفقاتها الخارجية باستخدام عملات أهم شركائه التجاريين، دون استخدام عملتها المحلية، مما يعمل بدوره على حصر حركة العملة المحلية بصورة كبيرة.
أمثلة واقعية على تعويم العملة
تعد تجربة تعويم العملة التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية في أوائل فترة الثمانينات من القرن الماضي، من خلال اتجاهها نحو تطبيق نهج الفوائد المرتفعة باعتبارها وسيلة لممارسة عملية التعويم وتنفيذها، من أهم وأشهر تجارب نظام تعويم العملة على مستوى العالم.
ففي عام 1980، كان سعر الدولار الوسطي في مقابل المارك الألماني 1=1.81 مارك.
وبحلول شهر مارس من عام 1985، ارتفع حتى وصل إلى 1=3.45 مارك، أي أنه زاد بما يعادل 100%.
إذ كان لهذا النهج النقدي المتبع دور في بلوغ الأهداف المنشودة آنذاك وعلى رأسها جذب رؤوس الأموال للتمويل لسد عجز الميزانية والنفقات المخصصة لحرب ڤيتنام ومشروع حرب النجوم.
غير أن اتباع نهج تعويم العملة أدى أيضا إلى رفع تكاليف الاستثمار الذي تبع ارتفاع سعر الفائدة، مما نتج عنه تضرر المصدرين الأمريكيين نظرا لارتفاع أسعار سلعهم بالعملات الأجنبية، وبالتالي حدث انحسار اقتصادي، إلى أن لجأت الإدارة الأمريكية إلى تطبيق سياسة عكسية.
وشهد سعر صرف الدولار انخفاضا في مقابل المارك بما يعادل 1=1.57 في شهر يناير من عام 1988.
إذ أن الدولار الأمريكي شهد الكثير من الاضطرابات الشديدة التي عرضت سعره لمزيد من الانخفاض في مقابل الين الياباني والمارك الألماني.
نتج عن جميع الآثار الهامة المتعلقة بالتعويم التي تم ذكرها، ارتفاع أهمية استخدام السلطات النقدية لهذا النظام لكي تتمكن من تحقيق أهدافها الاقتصادية، وبذلك تتضح أسباب حدوث تقلبات يومية بصورة مستمرة في أسعار صرف العملات وحدوث مثل هذا الاضطراب اليومي الذي نشهده الآن على مستوى العالم.